حتى وقت قريب، كان العديد من خبراء التعليم الخاص مترددين في تعليم لغة الإشارة للأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد أو تشجيع الآباء على ممارسة لغة الإشارة في المنزل. ويرجع هذا التردد إلى عدد من المعتقدات والتحيزات ضد لغة الإشارة – وقد ثبت أن معظمها خاطئ من خلال الدراسات والبحوث الحالية الأكثر عمقًا.
يخشى بعض الاختصاصين من أن تدريس لغة الإشارة سيثني الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد عن اكتساب اللغة المنطوقة، أو يخلق حواجز اجتماعية إضافية بين الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد وأقرانهم، أو يكون مرهقًا من خلال مطالبة المعلمين وأولياء الأمور بأن يصبحوا ثنائيي اللغة بشكل فعال.
معتقدات شائعة عن لغة الإشارة:
العديد من الدراسات حول آثار لغة الإشارة على الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد أثبتت أن تعليم بعض الإشارات الأساسية على الأقل في برامج التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة أو في المنزل يمكن أن يكون مفيدًا، خاصة للأطفال غير اللفظيين أو اللفظيين من ذوي اضطراب طيف التوحد. فيما يلي أهم 5 معتقدات شائعة تجعل المعلمين يترددون في استخدام كل الوسائل المتاحة للتواصل مع الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد:
المعتقد الأول: تعلم لغة الإشارة سيقلل من احتمالية الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد من التحدث.
الحقيقة: على الرغم من أن هذا الخطأ سائد ومستمر، إلا أن البحث يظهر أن لغة الإشارة واللغة المنطوقة متكاملان – وأن تعلم لغة الإشارة يمكن أن يساعد الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد على تعلم الكلام. هذا لأن اكتساب اللغتين المتنوعتين والمميزتين متشابه بشكل كبير، على الرغم من أن اللغات نفسها مختلفة جدًا. على وجه التحديد، يكون اكتساب اللغة مشابهًا لأن الدماغ النامي يعالج كل من اللغة المرئية واللغة السمعية بنفس الطريقة. بشكل عام، من المرجح أن يكون الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد متعلمين بصريين أكثر من كونهم متعلمين سمعيين، لذلك من المنطقي أن تستغل نقاط القوة اللغوية بدلاً من نقاط الاحتياج عند تدريس مهارات التواصل لأول مرة. بالإضافة إلى ذلك، عندما يواجه الأطفال الذين يطورون المهارات اللغوية النجاح ويرون قوة التعبير عن احتياجاتهم مع الآخرين، فذلك يشجعهم على محاولة تعلم مهارات جديدة.
المعتقد الثاني: لغة الإشارة ليست لغة “حقيقية” بنفس الطريقة التي تكون بها اللغة المنطوقة لغة حقيقية.
حقيقة: تمامًا مثل اللغة المنطوقة، فإن لغة الإشارة هي نموذج تواصلي رمزي معقد ومتطور يمكن دمجه مع أشكال أخرى من التواصل غير اللفظي مثل تبادل الصور والإيماءات وتعبيرات الوجه وحتى النظر من أجل التعبير عن نفسك بشكل فعال. تمامًا مثل اللغة المنطوقة، فإن لغة الإشارة هي لغة طبيعية لها هياكلها النحوية، والتعابير، والإشارات، والكلمات، والتعبيرات التصويرية.
المعتقد الثالث: تعلم لغة الإشارة واللغة المنطوقة في نفس الوقت يشتت الطفل.
حقيقة: تظهر الأبحاث أن لغة الإشارة ومهارات اكتساب اللغة الأخرى يمكن تدريسها معًا دون تشتيت الأطفال. في الواقع، تم إثبات تدريس لغة الإشارة واللغة المنطوقة في وقت واحد لمساعدة الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد على التحسن في اللغة الإنجليزية المنطوقة، وتحقيق قدر أكبر من القراءة والكتابة في اللغة الإنجليزية المكتوبة، وتطوير كفاءة أكبر في التواصل بشكل عام. إن تقييد أو حظر تعلم أحد أشكال اللغة من أجل تعزيز أو تحسين استخدام شكل آخر من أشكال اللغة غير ضروري لأن تعلم كلاهما يدعم في الواقع تطوير لغة سهلة ومتكاملة.
المعتقد الرابع: من أجل تعليم لغة الإشارة، يجب أن أتحدث لغة الإشارة بطلاقة.
حقيقة: هذا مثل قول أنه من أجل مساعدة طفلك على تعلم الرياضيات في المدرسة الابتدائية، يجب أن يكون لديك شهادة دكتوراه في حساب التفاضل والتكامل، أو لتعليم طفلك مهارات المطبخ يجب أن يكون لديك درجة علمية في فنون الطهي. كل ما يجب على المعلمين وأولياء الأمور القيام به للتواصل من خلال لغة الإشارة وتعليم لغة الإشارة للأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو أن تسبق الطفل ببعض الإشارات . هناك الكثير من الأدوات المجانية وغير المكلفة لتعلم الإشارات الأساسية، وهو كل ما تحتاجه عند محاولة التدريس والتواصل مع طفل صغير.
المعتقد الخامس: لا أحد سيفهم الطفل ذوي اضطراب التوحد الذي يستخدم الإشارات، لذا فإن تعلم لغة الإشارة سيخلق المزيد من الحواجز الاجتماعية والشخصية بين الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وأقرانهم.
حقيقة: يعد التواصل بأي شكل من الأشكال أمرًا جيدًا للمهارات الاجتماعية ومهارات التواصل مع الآخرين. إذا كان الطفل منفتحًا على تعلم الإشارات الأساسية في سن مبكرة، فلن يؤدي ذلك فقط إلى تعزيز التفاعل مع الأسرة والأقران وتمكينه، بل يساعد الطفل أيضًا على تطوير قدرات إدراكية أقوى، واكتساب المعرفة، والمشاركة بشكل كامل في العالم المحيط، واكتساب شعور أقوى بالهوية الشخصية.
بالإضافة إلى جميع الخرافات والمخاوف المذكورة أعلاه، يشعر العديد من المختصين والآباء بالحيرة حول موعد تقديم لغة الإشارة للأطفال، حيث يتم استخدام أدوات التواصل الأخرى مثل الأجهزة الإلكترونية المساعدة ونظام الاتصال بتبادل الصور (PECS)، و ما إذا كان الأطفال الذين يستخدمون أدوات تواصل أخرى بحاجة أيضًا إلى لغة الإشارة.
الحقيقة هي أنه ليس من السابق لأوانه أبدًا محاولة التواصل مع الأطفال غير اللفظيين أو اللفظيين من ذوي اضطراب طيف التوحد. في حين أن لغة الإشارة يمكن أن تساعد في النطق، عندما يتعلق الأمر بالأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد، يجب ألا تكون اللغة المنطوقة الهدف النهائي أو المقياس النهائي للنجاح. الهدف النهائي هو الكفاءة في التواصل، وليس شكلاً معينًا من أشكال التواصل..
بعبارة أخرى، يجب أن يكون السؤال: “هل يتواصل الطفل بشكل جيد؟” أو “هل يمكنني فهم الطفل؟” وليس: “كيف يتواصل الطفل؟” أو “هل يتواصل الطفل بالطريقة “الصحيحة”؟”
نظرًا لأن مستوى الكفاءة التواصلية التي يكتسبها الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد هو مؤشر على الأداء الأكاديمي المستقبلي والمهارات الاجتماعية والتكيفية، يجب علينا الاستمرار في استخدام جميع الأساليب المتاحة لنا لتحسين النتائج في التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة.
المصدر بتصرّف