يمثل نمو وتطور المهارات اللغوية مرحلة اساسية ومهمة للنمو الطبيعي للطفل ويمر الاطفال بشكل عام بنفس مراحل تطور اللغة ، على الرغم من العوامل المختلفة مثل الاختلافات البيئة اللغوية واختلاف اللغة التي يتعلمها الطفل ،بالاضافة إلى الاختلافات الفردية في الذكاء أو القدرة على التواصل الاجتماعي ، ومدى تفاعل الاباء مع أطفالهم و استخدامهم للغة معهم، والثقافة المحيطة، وما إلى ذلك. ومع ذلك ، لا يواصل كل الاطفال تطوير مهاراتهم اللغوية بشكل كاف بالطريقة التي تمكنهم من استخدام اللغة بشكل صحيح وفعال وبطريقة تمكنهم من تحقيق التواصل الاجتماعي الفعال. إن وجود تأخير أو ضعف في اللغة هو إشارة واضحة لمشاكل في النمو. والأهم من ذلك ، أن دراسة مثل هذه المشاكل يمكن أن تساعد أيضاً في فهم طبيعة عملية اكتساب اللغة.
يعتبر وجود تأخر في النمو اللغوي عند الأطفال الذي يتم تشخيصهم لاحقا باضطراب طيف التوحد أول علامة يلاحظها الأهالي على أولادهم في السنتين الاولى من حياة الطفل (علما بأنه ليس كل تأخر في اللغة يعني بالضرورة أن الطفل مصاب بالتوحد). من الصعوبات التي يعاني منها أطفال التوحد بالاضافة الى ضعف القدرة على التواصل الحسي والاجتماعي والسلوكيات المقيدة والمتكررة هو تأخر تطور اللغة لديهم. تشمل حالات العجز في التواصل اللغوي للمصابين بالتوحد مجموعة متنوعة من المشاكل اللغوية وتتراوح من الغياب التام للغة إلى استخدام الكلام النمطي أو تكرار جمل معينة وصعوبة البدء والاستمرار في المحادثات مع الغير ويوجد حالات مما يستطيعون استخدام اللغة بطلاقة مع بعض الصعوبات في الاستخدامات البراغماتية للغة مثل فهم التعبير المجازي من الاستعارات والسخرية. تشير الدراسات الحديثة إلى أن ما يقرب من ٢٥٪ من المصابين باضطراب طيف التوحد لا يكتسبون أي قدرة على التعبير باستخدام اللغة. بينما يرجح بعض الباحثين أن مشاكل اللغة عند أطفال التوحد ترجع إلى عجز في القدرة على التواصل الاجتماعي، وأن المهارات اللغوية الأساسية (مثل الأصوات والنحو) لا تزال سليمة ومع ذلك ، فإن الأبحاث تشير إلى وجود ضعف في اللغة بشكل كبير لدى جميع الأفراد المصابين بالتوحد.
هناك عدم تجانس كبير في توقيت وأنماط اكتساب اللغة لدى المصابين بالتوحد بحيث تعتمد قدرة الأطفال الذين يعانون من هذه الاضطراب على التواصل واستخدام اللغة على نموهم الإدراكي والاجتماعي. في بعض الأحيان يبدأ الأطفال المصابين بالتوحد بالتحدث بعد غيرهم من الأطفال الغير مصابين ، بينما يبدأ الطفل الذي ينمو نموا طبيعيا بنطق كلماته الأولى في السنة الأولى من حياته يبدأ الطفل المصاب بالتوحد بنطق كلماته الأولى من سن ٢ إلى ٣ سنوات ، ويستمر النمو اللغوي بصفة عامة بمعدل أبطأ في النمو مقارنة بأقرانهم. وبحلول السنة الثانية من العمر، يظهر الأطفال المصابين بالتوحد أنماطًا مختلفة للتواصل مقارنة بالأطفال الذين يكتسبون اللغة بشكل طبيعي. مثال ذلك بينما يظهر الطفل الطبيعي استجابته لاسمه عند حوالي الشهر الرابع إلى السادس يظهر الأطفال في عمر ١٢شهر والذين تم تشخيصهم بالتوحد لاحقا استجابة محدودة عند سماع اسمائهم وصوت أمهاتهم والكلام البسيط الذين يستخدم مع الأطفال. واقترحت الدراسات التي أجريت على الرضع والأطفال الصغار المصابين بالتوحد أن ما بين 12 و 24 شهراً من العمر ، أن هؤلاء الأطفال الصغار الذين تم تشخيصهم في وقت لاحق بأنهم مصابون باضطراب طيف التوحد يفهمون عبارات أقل بكثير وأنهم يستخدمون إيماءات من تعابير وجه وإيحاءات أقل من المعدلات الطبيعية عند الأطفال.
قبل أن يبدأ الاطفال بنطق كلماتهم الاولى هناك عوامل مختلفة مرتبطة بنمو الطفل وتطور قدرته على التواصل الاجتماعي ولها ارتباط وثيق بتطور اللغة عند الأطفال عموما مثل المحاكاة واللعب والإيماءات ومايسمى الانتباه المشترك. ﻣن اﻟﻣﻌروف أن ﻣﮭﺎرات الانتباه اﻟﻣﺷﺗرك (joint attention) ﺗﻌد أﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻟﻣﮭﺎرات اﻻﺟﺗﻣﺎﻋﯾﺔ ومهارات التواصل ﻓﻲ أوﺳﺎط اﻷطﻔﺎل ولها دور مهم في النمو اللغوي. و تعرف مهارات الانتباه المشترك إلى قدرة الأطفال على تنسيق الاهتمام في شي مشترك مع الأشخاص من حولهم. على سبيل المثال ، يتعرف الطفل في وقت مبكر على الأشياء في البيئة المحيطة من خلال عملية الانتباه المشترك حيث يوفر الوالدين مثلا فرصة لتعلم أسماء الأشياء من خلال الإشارة إلى كائن جديد أو حدث جديد في البيئة فيستطيع الطفل من الشهر السادس تتبع نظرات الوالدين إلى الأشياء في البيئة مما يساعدهم في معرفة ما يرمز إليه المتحدث وتتطور القدرة على استخدام هذه المهارات مع مرور الوقت بحيث تصبح أكثر تعقيدا .وتشير الدراسات إلى الارتباط الوثيق بين مهارات الانتباه المشترك وتطور اكتساب وفهم الكلمات وأن التباين في الاستجابة إلى الاهتمام المشترك من قبل الأطفال قد تؤثر بشكل سلبي على النمو اللغوي بما في ذلك وهذا قد يكون سبب في تأخر اللغة عند الأطفال المصابين بالتوحد. فقد أظهرت الدراسات أن الأطفال المصابين بالتوحد عادة ما يكون لديهم مشكلة في استخدام مهارات الانتباه المشترك بشكل عفوي ومتكامل في وقت مبكر مما يؤثر على النمو اللغوي وتطور التواصل لديهم. في الأطفال المصابين بالتوحد أقل احتمالا من أقرانهم الذين ينمون نموا طبيعيا في الرد على أو البدء بعملية الانتباه المشترك باستخدام أصوات أو إيماءات من الإشارة إلى شئ جديد للفت انتباه البالغين.
تشير الأبحاث الحديثة أنه حتى في الأفراد المصابين بالتوحد ولديهم قدرة لغوية في العادة يكون الجانب البراغماتي للغة أضعف من الأشخاص الطبيعيين. يشير مفهوم “البراغماتية” في اللغة إلى استخدام اللغة كأداة للتواصل الاجتماعي بين الأفراد ويشمل ذلك كيف يتم استخدام اللغة في سياق التواصل الاجتماعي ومثال ذلك تغيير طريقة الكلام حسب الشخص الذي يتحدث إليه والانتباه الى الادوار في المحادثة وفهم اللغة المجازية والأمثال والكلام الغير مباشر ، وكذلك الوظائف الغير لغوية ، مثل اتصال العين ولغة الجسد وتعبيرات الوجه. تعتبر البراغماتية في اللغة أكثر مجالات اللغة ذات الدافع الاجتماعي، لأنها تتطلب أن يكون المتحدث على وعي تام بالوضع الاجتماعي والمعرفي للمتحدث؛ تتطور هذه المهارات اللغوية خلال الخمس سنوات الاولى من حياة الطفل ، ولكن بالنسبة لأطفال التوحد يعد الجانب البراغماتي أكثر جوانب اللغة ضعفاً. حيث تشير الدراسات أن الأطفال والبالغين المصابين بالتوحد يفسرون الكلام بالمعنى الحرفي ولديهم صعوبة في فهم ما ينوي الآخرين قوله. مثال ذلك يجد المصابين بالتوحد صعوبة في فهم الاستعارات وفهم معاني الكلمات من خلال السياق فتجدهم يفسرون الكلام بالمعنى الحرفي في غالب الاوقات ولا يحملون الكلمات أو التعابير معاني آخرى.