إنّ الوالدين وخصوصاً الأم هما الأكثر معرفة وخبرة بأطفالهم من أي مختص، فالأم تعد أول وأفضل معلمة للطفل والأكثر تأثيراً على نموه اللغوي السليم. فالطفل يكتسب اللغة من محيطه الذي يعيش فيه، ولهذا فإن الأطفال الذين يتحدث معهم الوالدان بكثرة في مواضيع متنوعة ويقضون معهم وقتاً ذا جودة تكون مهاراتهم اللغوية أعلى من الأطفال الذين يقضون وقتهم بمفردهم أو مع العاملة المنزلية أو في مشاهدة الشاشات بشكل منعزل عن محيطهم الاجتماعي.
كما أنّ مشاركة الطفل في أنشطة يومية كاللعب والقراءة المشتركة وتبادل الحديث في أوقات مختلفة خلال اليوم، كأوقات الوجبات وأوقات اللعب وقراءة القصص قبل النوم تسهم جميعها بشكل كبير في تعزيز المهارات اللغوية لدى الأطفال وتوثيق الارتباط العاطفي مع الوالدين. يتوجب على الأهالي أيضاً جعل بيئة الطفل محفزة للنمو اللغوي والإدراكي ومن ذلك توفير الكتب والألعاب الملائمة لعمر الطفل، واصطحابه خارج المنزل والحديث عن الأشياء والمواقف ووصفها، وخلق فرص يختلط فيها الطفل بأطفال آخرين كالحضانة وأماكن اللعب والاجتماعات العائلية، واختيار المحتويات الرقمية التي يشاهدها الطفل بعناية، مع تقنين الوقت الذي يقضيه في السلوكيات الخاملة والمنعزلة كقضاء وقت طويل بمفرده أو في استخدام الشاشات.
يعد دور الوالدين في النمو اللغوي مهم في كافة المراحل العمرية، ولكن أهميته تتأكد في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل التي تشهد تطوراً متسارعاً للنمو العقلي واللغوي، ولهذا يركز المختصون على أهمية التحفيز اللغوي للطفل عبر الحديث معه ومشاركته الأنشطة الممتعة والتعليمية الداعمة لاكتساب اللغة خلال هذه الفترة الذهبية الحساسة من النمو.
قد تكون من المفاهيم الخاطئة لدى بعض الأهالي هي اعتقاد أن الطفل الذي لم يتحدث بعد لا يفهم ما يحيط به ولا يستفيد من مثل هذه الأنشطة، ولكن الأبحاث تشير إلى عكس ذلك، فالأنشطة المحفزة للنمو اللغوي ينبغي أن تكون جزء من الروتين اليومي للطفل منذ شهوره الأولى ولها أثر كبير على سرعة تطور اللغة لدى الطفل وعلى طلاقته وفصاحته وكفاءة مهاراته اللغوية على الأمد القصير والبعيد.
ايضاً، تشير الأبحاث إلى أن التواصل اللغوي مع الأطفال والتفاعل معهم مهم كماً ونوعاً، فالاستجابة للأطفال واحتياجاتهم وأسئلتهم والتفاعل معهم والنظر إليهم أثناء الحديث وإظهار الحماس لما يلفت انتباههم والحوار معهم حوله، له أثر إيجابي على تطور مهاراتهم اللغوية.
في بعض الأحيان ينشغل الوالدان بالتطورات الرائعة التي تحدث لطفلهم في السنوات الأولى من عمره، وفي غمرة هذا الانشغال قد لا يتنبهون لبعض المهارات التي يكون الطفل متأخراً فيها، ويحدث لهم ذلك غالباً مع طفلهم الأول؛ إذ أنهم قد يفتقرون للخبرة الكافية التي تمكنهم من مقارنة مهارات طفلهم بمهارات الأطفال من نفس عمره.
وهذا لا يعني أن الأطفال متطابقين في المهارات المتوقعة منهم في كل مرحلة عمرية، فالتفاوت في المهارات والاختلافات الفردية أمر طبيعي، ولكن الانتباه للجوانب التي قد يحتاج الطفل فيها للمساعدة أو التدخل في وقت مبكر لها أثر كبير في ضمان النمو اللغوي السليم للطفل. وليتنبه الوالدان لهذه الجوانب لا بد من قضاء أوقات كافية مع الطفل وملاحظة مهاراته اللغوية بموضوعية، والانتباه لمؤشرات الخطر، فالإنكار والتسويف في حال وجود مشاكل بالفعل في النمو اللغوي قد يؤدي لنتائج غير محمودة.
من الجدير بالذكر أن التدخل المبكر ناجح بشكل كبير في التغلب على كثير من اضطرابات اللغة، وهذا ما نسعى لتقديمه عن طريق مبادرة فصيح حيث تبدأ العملية في حال اكتشاف المشاكل المتعلقة بالنمو اللغوي عند الأطفال، بدءاً بملاحظة الوالدين للطفل ثم استشارة أخصائي نطق وتخاطب مرخص فقد يتطلب الأمر أن يخضع الطفل لجلسات لتحفيز النمو اللغوي، وقد لا يتطلب الأمر أكثر من أن يقوم الوالدان ببعض التغييرات في طريقة حديثهم مع الطفل وفي نوعية الأنشطة والروتين اليومي الذي ينخرط فيه الطفل بمفرده أو بمشاركة الوالدين أو الإخوة أو الأصدقاء.
وتأكد أن ما تقوم به كونك أبا أو أمّا بشكل طبيعي وروتيني وسلس يومياً يصنع الفرق، فإنّ دورك أنت هو الأهم ولا يمكن لأحد أن يحل محلك!