تطرقت الورقة العلمية المُستند عليها في كتابة هذا المقال الى أنماط التواصل عند الأطفال (٢-٣ سنوات) المصابين بـ اضطرابات طيف التوحد والتي خرجت كنتائج لأبحاث عديدة.
Autism Research 4: 177-188, 2011
ملخص هذه الأنماط هو كما يلي:
- أنماط تواصل بصري غير طبيعية
- محدودية التواصل الاجتماعي
- ضعف في الانتباه المشترك
- استجابات متذبذبة من قبل الطفل عند مناداته بـ اسمه (مره يستجيب ومره لا)
- محدودية التواصل غير اللفظي
- التعذٌر في الاستجابة لـ الإيماءات أو التعذٌر في استخدامها
- محدودية اللعب التخيلي
- محدودية التقليد الحركي او الصوتي
- محدودية الرغبة في الألعاب التواصلية او في الاحتكاك بالناس
- تأخر في بداية نشوء اللغة النمائية أو تأخر في التطور اللغوي النمائي
- ظواهر صوتية غير نسقية
ولأن المقالة تدور حول الظواهر الصوتية غير النسقية، فلقد سلطت الضوء على دراسة أُجريت على عينة من الأطفال (١٨-٣٦شهر) المصابين بـ اضطرابات طيف التوحد. في هذه الدراسة، قام الباحثون بتسجيل مقاطع صوتية لهؤلاء الاطفال وتحليلها بالتركيز على طريقة نطقهم للأصوات، تحديدًا، الأصوات الساكنة التي استخدمها الأطفال في مناغاتهم وفي محاولاتهم لنطق الكلمات. قورنت نتائج هذه التحليلات بنتائج تحليلات أخرى لمقاطع صوتية لأطفال من نفس العمر غير توحديين وايضاً بتحليلات لمقاطع صوتية لأطفال اصغر عمرًا ولكن في مستويات لُغوية مشابهة للمستوى اللغوي عند الاطفال التوحديين.
أسفرت هذه الدراسة على أن الفرق الجوهري بين الأطفال المشخصين بـ اضطرابات طيف التوحد وأقرانهم في العمر وأقرانهم في المستوى اللغوي هو في نوعية و كميَّة بعض الأصوات التي يصدرونها، تحديدًا، المصحوبة بطبقات صوت عالية و غير المتلائمة لفظيًا. بـ غير المتلائمة لفظيًا اقصد التي بلا معنى. تحديدًا على العينة المشاركة في هذه الدراسة، تشير النتائج الى أن التأخر اللغوي الحاصل عند هؤلاء الاطفال المشخصين بـ اضطرابات طيف التوحد هو ليس نتيجة لوجود خلل في مهارات اكتساب الأصوات اللغوية لديهم فـ مهارة نطقهم للأصوات وتطورها و إن كانت متأخرة او بطيئة فهي تصعد ذات السٌلم الصوتِّي الطَوْري الذي تصعده لغة الاطفال الطبيعيين. في جملة أخرى، وجدت هذه الدراسة أن التأخر/ التعذٌر اللغوي عند الأطفال المشخصين باضطرابات طيف التوحد لا يُعزى الى وجود خلل يتعلق بـ اكتساب النظم الصوتية اللغوية بل لوجود خلل عصبي يمنعهم من “التنسيق”. هذا يدل على امتلاك الاطفال (المشاركين في هذه الدراسة) المشخصين بـ اضطرابات طيف التوحد ذات النُظم الصوتية التي امتلكها أقرانهم من الفئتين ولكنهم لم يستخدموها بتناسق و بذات الطريقة.
ما معنى التنسيق/ ما معنى بتناسق؟
حسنًا، قبل نهاية عامهم الأول، يبدأ عموم الاطفال تلقائيًا في تنسيق مخرجاتهم الصوتية لتتوافق وبتناغم مع أصوات اللغة المحيطة بهم. فمثلًا، الطفل المُحاط باللغة الانجليزية، سوف يعمل تلقائيًا على تنسيق مخرجاته الصوتية لـ تتوافق مع أصوات اللغة الانجليزية. سيكون من اللامنطقي ان يكتسب مثل هذا الطفل صوت الـ “خ” او الـ “ح” لأنها غير موجودة في اللغة الانجليزية والتي هي لغتهم الأم.
في المقابل، قد لا نجد هذا التنسيق عند بعض الأطفال وهو ما قد يكون نذير بوجود خطبٍ ما عندهم. فقد نجد أن الطفل يخرج أصوات مختلفة لا ترمز الى شيء في بيئته المحيطة وقد تكون معظمها أصوات متحركة.
عدم حصول هذا التناسق الصوتي اللغوي بين ما ينتجه الأطفال من أصوات وبين اللغة المحيطة بهم يُسهم وبشكل كبير في تأخر أو حتى تعذٌر اللغة عندهم. فلقد ذَكر نفس الباحثون أيضًا بأن عدم حصول هذا التناسق في عمر مبكّر (بين ال٩-١٢ شهر) قد يكون مؤشر دلالي على وجود اضطرابات طيف التوحد، خصوصًا لدى الاطفال ممن لديهم أخ/أخت مصابين بالاضطرابات.
وأخيرًا، مناغاة الأطفال الطبيعيين تعتبر ضرورة لأنها تساعدهم في تنمية محصولهم اللغوي فما بالنا بالأطفال المتأخرين أو المتعثرين. لذلك يجب ان نتدخل وبشكل مبكّر بقدر الإمكان لـ حث وتشجيع هؤلاء الأطفال على تنسيق مخرجاتهم الصوتية بما يتوافق مع ما هو موجود من أصوات في لغتهم الأم. ولأن الأطفال في هذا العمر يميلون لتقليد أصوات الحيوانات وأصوات الأشياء بسهولة أكثر من أصوات الكلمات، فـ نحث الأمهات ومقدمي الرعاية على اللعب التخيلي مع أطفالهم وتعليمهم أصوات الحيوانات وأصوات الأشياء(على سبيل المثال: صوت الساعة، صوت السيارة، صوت المطافئ…..إلخ)
فهذا قد يسهل عملية تنسيق مخرجاتهم الصوتية وبالتالي توجيههم و مساندتهم في اكتسابهم للغة.