د. ياسر الصعبي
يحتفل العالم كل سنة بتاريخ الثاني من ابريل باليوم العالمي للتوحد. وكل عام يكون هناك شعاراً وهدفاً جديداً بهذه المناسبة. ويأخذ الاحتفال اشكالاً وصوراً مختلفة أهمها إبراز اللون الأزرق على المباني الحكومية ومراكز التأهيل. وتكثر المقابلات الإعلامية مع الأخصائيين الذين يقدمون الخدمات التأهيلية للأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد. وتكثر المؤتمرات العلمية بهذه المناسبة. تتكرر المحاضرات وتتكرر الأسئلة كل عام وتتكرر الإجابات وتتكرر الاحتفالات أيضاً. الهدف من اليوم العالمي للتوحد ليس الاحتفال فهذا الاضطراب لا يحتاج إلى إظهار اللون الأزرق هنا وهناك. هذا الاضطراب يحتاج إلى خطط متكاملة وشاملة وإلى تضافر جهود الجهات الحكومية والخاصة وذلك من أجل الحد من الأعباء الناتجة عنه. اضطراب طيف التوحد اضطراب يحتاج إلى برامج تأهيلية وعلاجية شاملة ومتكاملة مثل برامج العلاج الوظيفي وبرامج النطق واللغة وبرامج تعديل السلوك والبرامج الأكاديمية وبرامج التأهيل الوظيفي والبرامج الطبية. وكما هو معلوم للجميع فإن اضطراب طيف التوحد (ASD) هو اضطراب في النمو العصبي يتميز بقصور في التواصل الاجتماعي والتفاعل الاجتماعي ووجود سلوكيات مقيدة ومتكررة. وتظهر أوجه القصور في التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة ويمكن أن تشمل ضعف الانتباه المشترك بالإضافة إلى تحديات استخدام سلوكيات التواصل اللفظي وغير اللفظي للتفاعل الاجتماعي. تتجلى السلوكيات أو الاهتمامات أو الأنشطة المقيدة والمتكررة في الصور النمطية أو الكلام المتكرر أو الحركية أو استخدام الأشياء؛ التقيد غير المرن بالروتين.
في اليوم العالمي للتوحد علينا أن نقف مع أنفسنا ونقيم الخدمات المتوفرة للتعامل مع هذا الاضطراب من التشخيص إلى التأهيل. هناك الكثير والكثير من الأسئلة والتساؤلات التي يتوجب علينا طرحها لتقييم الواقع التشخيصي والتأهيلي لاضطراب طيف التوحد. هل يتم تشخيص اضطراب طيف التوحد من قبل فريق متعدد التخصصات؟ هل لدينا العدد الكافي من هذه الفرق إن وجدت؟ هل يتم تشخيص الاضطراب مبكراً وبشكل سليم؟ لمَ يطوف الأهالي على أكثر من أخصائي وأكثر من مركز وتتباين التشخيصات؟ لمَ يتم التشخيص بعمر متأخر؟ لمَ لا يتم إلزام أطباء الأطفال على تعبئة الاستمارة الخاصة بطيف التوحد بعمر 18 شهراً ثم بعمر 24 شهراً كما هو الحال في الدول الغربية؟ ومن الأسئلة المهمة أيضاً هل يتوفر العدد الكافي من الأخصائيين والأخصائيات المؤهلين لتشخيص وتأهيل الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد؟ هل لدينا إحصائيات دقيقة بعدد الأخصائيين والأخصائيات؟ هل تتوفر لدينا نسبة وعدد الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد؟ هل يوجد سجل وطني بتلك النسب والأعداد؟ هل تم حساب تكلفة تأهيل كل فرد مشخص بهذا الاضطراب؟ هل تتوفر خدمات التشخيص والتأهيل في المدارس الحكومية والخاصة؟ هل تقوم شركات التأمين بتغطية تكاليف التشخيص والتأهيل؟ هل يوجد برامج توعوية وتثقيفية لأهالي الأفراد من ذوي اضطراب طيف التوحد؟ هل يوجد مجموعات دعم للأهالي تحت إشراف علمي؟ هل يتم توفير الخدمات في جميع الدول والمناطق بالشكل المطلوب؟ هل يتم تقديم خدمات التأهيل في جميع المجالات بالشكل المثالي؟ هل يتم تقديم الخدمات بالوقت المناسب؟ هل يوجد خطط واضحة المعالم للتعامل مع هذا الاضطراب خلال السنوات المقبلة؟
ويبقى السؤال الأهم ما المطلوب منا في اليوم العالمي للتوحد؟ المطلوب كثير وعظيم جداً. المطلوب بدايةً تقييم شامل لما هو متوفر على مستوى خدمات التشخيص والتأهيل ووضع الخطط المستقبلية الكفيلة بتوفير خدمات علمية نوعية شاملة. المطلوب توفير جميع خدمات التأهيل بشكل مجاني من قبل الدولة حيث أن تكاليف هذه الخدمات عالية جداً وطويلة الأمد. المطلوب دمج هؤلاء الأطفال في المدارس من عمر ما قبل الروضة من أجل ضمان حصولهم على حقهم في التعليم شأنهم شأن أقرانهم الطبيعيين. المطلوب توفير العدد الكافي من الأخصائيين والأخصائيين في جميع المجالات (أخصائييي النطق واللغة وأخصائيي تحليل السلوك التطبيقي وأخصائيي العلاج الوظيفي وأخصائيي التربية الخاصة وغيرهم). المطلوب تأهيل الأخصائيين بالشكل الأمثل لضمان توفير الخدمة بالشكل العلمي المستند على الأدلة والبراهين العلمية المثبتة. المطلوب توفير المراكز الكافية في جميع المناطق. المطلوب وضع خطط سنوية محددة لتحسين نوعية الخدمات المقدمة. المطلوب وضع برامج تدريبية وتوعوية للأهالي. المطلوب في اليوم العالمي للتوحد لسنة 2023م مقارنة ما تم انجازه من خطط وبرامج تم الاتفاق عليها أو طرحها في اليوم العالمي للتوحد لسنة 2022م. المطلوب إجراء الأبحاث ودعمها للتأكد من فاعلية البرامج المقدمة.
أنا لا أطالب بألا نحتفل باليوم العالمي للتوحد كل 2 إبريل كل عام بل أطالب بأن نحتفل بما تم إنجازه من أجل ورفع جودة الخدمات المقدمة. نطالب بأن يكون الاحتفال باليوم العالمي للتوحد من خلال وضع خطط سنوية تهدف إلى تحسين جودة ونوعية خدمات التشخيص والتأهيل. وبما أن شعار اليوم العالمي للتوحد لسنة 2023م هو “التحول نحو عالم شامل” دعونا نعمل بتحول شامل في آليات وطرق تقديم خدمات التشخيص والتأهيل من خلال توفير الأعداد المطلوبة من الأخصائيين والأخصائيات المؤهلين ومن خلال زيادة عدد المراكز الحكومية المتخصصة. وليكن التركيز حقاً على شمولية وتكاملية الاستراتيجات والأنظمة والقوانين الخاصة باضطراب طيف التوحد.
الدكتور ياسر الصعبي