تعتبر القدرة على التحدث بأكثر من لغة واحدة ميزة يتطلع إليها العديد من الأشخاص، خاصة وأن التحدث بلغتين أو أكثر قد يمنحهم مزايا اجتماعية واقتصادية وفكرية في عالم أصبح التنوع والتقارب الثقافي فيه أكثر أهمية من أي وقت مضى.
لذلك يسعى الكثير من الأهالي إلى اعتماد طرق عديدة لتعليم أطفالهم أكثر من لغة منذ سن مبكر، و في هذا المقال سنتحدث عن الثنائية اللغوية ونجيب عن أهم الأسئلة الشائعة حول تنشئة طفل يتحدث لغتين.
ماذا نعني بالثنائية اللغوية؟
تعّرف الثنائية اللغوية بشكل عام عن قدرة الأشخاص على استخدام لغتين في سياقات لغوية متعددة وبشكل دوري، ولكن لكي يصل الطفل لمرحلة القدرة على التحدث بلغتين بشكل سليم، فإنه يمر بالعديد من المراحل. تطّور اللغة عملية معقدة وديناميكية تتأثر بعمر الطفل ودرجة تعرضه للغة والتواصل الاجتماعي الفعّال مع البالغين والأقران، كما يلعب العمر الذي يكتسب فيه المرء لغة ثانية دورًا مهمًا، وبالتالي فإننا نميّز بين ثنائية اللغة المبكرة والمتأخرة. وعادة ما يتبع الطفل ثنائي اللغة أحد نمطي اكتساب اللغة:
- النمط الأول هو ثنائية اللغة المبكرة أو ما يعرف علميا بثنائية اللغة المتزامنة، بحيث يكتسب الطفل لغتين في نفس الوقت قبل سن الثلاث سنوات. ومثال ذلك هو أن يتعرض الطفل للغتين مثل اللغة العربية واللغة الإنجليزية منذ الولادة في المنزل، ويتعلم اللغتين في وقت واحد- كما هو الحال عندما يولد الطفل في عائلة يتحدث فيها الوالدان لغات مختلفة. ومن الجدير بالذكر أن استخدام الطفل أو الأهالي لبعض المصطلحات من لغة غير اللغة الأم لا يعد اكتساباً ثنائي اللغة من النوع المتزامن؛ وذلك لأن الطفل يحتاج أن يتعرض للغتين بشكل دائم حتى يكتسب اللغتين ويتمكن من استخدامهما بالشكل الصحيح.
- النمط الثاني من ثنائية اللغة فهو ثنائية اللغة المتأخرة أو ما تعرف علميا بثنائية اللغة المتتالية أو المتسلسلة، بحيث يكتسب الطفل لغة ثانية بعد سن الثلاث سنوات وبعد اكتسابه للمهارات الأساسية للغته الأم. فعلى سبيل المثال، يمكن لطفل من أبوين مهاجرين أن يبدأ باكتساب اللغة الثانية فقط عند التحاقه بالمدرسة، بعد اكتسابه للغته الأم من أبويه في المنزل. و في العادة تتطور ثنائية اللغة المتتالية في البيئة المدرسية، مثل رياض الأطفال أو المدارس التي تدعم التعليم باللغة الثانية. ويعد هذا النمط هو النمط السائد في اكتساب الأطفال للغة الإنجليزية في السياق المحلي السعودي أو الخليجي بشكل عام.
بعض الأسئلة الشائعة حول اكتساب الطفل للغتين:
هل يمكن للطفل اكتساب لغتين في آن واحد؟
تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الصغار يمكنهم بالفعل اكتساب لغتين في وقت واحد، والدليل على ذلك أن العديد من الأطفال ينشأون في مجتمعات يعد فيها التحدث بلغتين هو الأمر الطبيعي والسائد. ولكن هناك عوامل مهمة يجب أن تتوفر حتى يتعلم الطفل اللغتين بشكل سليم يمّكنه من استخدامها لاحقا كشخص بالغ.
في ذلك تشير ايريكا هوف إحدى أشهر الباحثات في مجال تطور لغة الأطفال ثنائي اللغة أن هناك عوامل تؤثر على نمو اللغتين والتي من شأنها أن تساهم في مدى تمّكن الأطفال من اللغة، ومنها كم وجودة اللغة التي يتعرض لها الطفل بالإضافة إلى استخدامه لها، فمعدل نمو اللغة يتأثر بكمية المدخلات اللغوية (ونقصد بالكمية عدد المرات التي يتحدث فيها مقدمو الرعاية إلى الأطفال وغالبًا ما يتم تمثيلها بعدد الأقوال أو عدد الكلمات التي يستخدمها عند الحديث مع الأطفال). كما أن جودة المدخلات اللغوية مهمة أيضًا (تشير جودة المدخلات اللغوية إلى مجموعة واسعة من الخصائص اللغوية، بما في ذلك التنوع في المفردات وتراكيب الجمل وإشراك الطفل في محادثات في سياقات متنوعة بأسلوب تفاعلي)، لذلك يوصي المختصون في تطور اللغة لدى الأطفال بأنه يجب على الآباء استخدام اللغة التي يشعرون براحة أكبر عند استخدامها في الحديث مع أطفالهم.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا ينبغي أن يشعر الوالدان بضرورة استخدام اللغة الإنجليزية لمجرد أنها اللغة الثانية التي يتعلمها الطفل إذا كانت إجادتهم للغة الإنجليزية محدودة، حيث أن أفضل طريقة لدعم التطور ثنائي اللغة هو أن يأتي تعّرض الأطفال لكل لغة من متحدثين ذوي تمّكن وكفاءة لغوية عالية.
وتظهر الأبحاث أيضا أن الأطفال يحتاجون إلى استخدام لغة من أجل اكتسابها، ويمكن للأطفال اختيار اللغة التي يتحدثونها في البيئات ثنائية اللغة، وعندما تكون إحدى اللغات مفضلة أكثر لدى الأهالي أو المجتمع فإنهم يختارون اللغة الأكثر تفضيلاً، لذلك، من الأفضل أن يظهر الأهالي تقديراً وتشجيعاً للغتين التي يستخدمها الطفل وأن يتيحوا فرصاً تشجعهم على استخدام كلتا اللغتين.
هل يشعر الأطفال بالارتباك عندما يستخدم البالغون معهم أكثر من لغة؟
ببساطة، لا يشعر الأطفال بالارتباك من سماع لغتين من البالغين وذلك لأن الأطفال حساسين للاختلافات اللغوية بشكل كبير، كما يتعلم الأطفال بسرعة كبيرة عن الاختلافات بين الطريقة التي يتحدث بها الرجال والنساء، والفرق بين طرق الحديث المهذبة وغير المهذبة، وما إلى ذلك. ولا يختلف الوضع عندما يتعرض الطفل للغتين، فقد كان المعلمون في أمريكا الشمالية في فترة الثمانينات يوصون الآباء المهاجرين بأنه من الأفضل لأطفالهم أن يتحدثوا معهم بالإنجليزية في المنزل وليس بلغتهم الأم، وذلك من منطلق الاعتقاد السائد حين ذاك أن التعّرض المبكر للغتين يؤثر بشكل سلبي على اكتساب الطفل للغة.
لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى خطأ ذلك الاعتقاد، بل على العكس تماماً، فقد تكون هناك مزايا لكون الطفل ثنائي اللغة مثل التفكير الأكثر مرونة.
هل الأطفال ثنائيو اللغة لديهم تأخر في اللغة؟
لا علاقة للتأخر في اللغة أو الكلام بعدد اللغات التي يتحدث بها الطفل. إذا تم تشخيص الطفل ثنائي اللغة بتأخر في اللغة أو الكلام، فإن تنشئة طفل بلغتين لن يسبب لهم أي ضرر أو يزيد من التأخر الذي يعانون منه. وفي بعض الأحيان قد يشعر الآباء أن طفلهم ثنائي اللغة يظهر تأخراً في مفرداته أو استخدام الجمل مقارنة بأقرانه الذين يتعرضون للغة واحدة لكن الدراسات تشير إلى أنه على الرغم من أن الأطفال ثنائيي اللغة قد يكونون بالفعل يملكون حصيلة مفردات أقل في إحدى اللغتين مقارنةً بالأخرى، إلا أن مفرداتهم الإجمالية في اللغتين تنمو بمعدل طبيعي مقارنة بأقرانهم الذين يتحدثون لغة واحدة.
هل يجب على ثنائيي اللغة ألا يخلطوا بين اللغتين عند الحديث؟
من أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا حول ثنائية اللغة فكرة أن استخدام الأطفال كلتا اللغتين في جملة واحدة ضار بتطورهم اللغوي، فكثير من الناس يرون بشكل خاطئ أن “اختلاط اللغة” للأطفال (باستخدام لغتين في حوار واحد) علامة على مشكلة في تطور اللغة، لكن الحقيقة أن الأبحاث وضحت أن اللغتين لدى الطفل ثنائي اللغة تتطوران بشكل مستقل عن بعضها البعض، وأن الأطفال يمكنهم التفريق بين اللغتين منذ سن مبكرة جدًا، وحتى عندما يخلط الطفل بين اللغتين تظل الجمل صحيحة وتتبع بنية اللغة الأساسية.
في الختام، يمكننا القول لكل شخص يحاول تنشئة طفل يتحدث لغتين، بغض النظر عن خلفيتك اللغوية أو أسبابك الاجتماعية، من المهم جدًا أن تدرك أن اكتساب الطفل للغة يتطلب تعرضًا مكثفًا (كماً ونوعاً) لتلك اللغة، كما يجب على الآباء ألا يتوقعوا أن تنشئة طفل متمكّن من لغتين يمكن أن تحدث بدون بذل قدر كبير من الجهد والوقت.
ولقياس نمو لغة الطفل، من خلال مبادرة فصيح وبالشراكة مع المهيدب لخدمة المجتمع طورنا مقياس التطور اللغوي الذي يمكن الأسرة من معرفة مدى تطور لغة طفلهم، مع إظهار النتيجة خلال دقائق معدودة
كما نقدم من خلال تطبيق ينمو الأسرة جلسات استشارية مجانية لتشخيص حالة الطفل اللغوية بالتعاون مع مراكز معتمدة