أهمية برامج التدخل المبكر

07 يونيو 2023
  • ما هو التدخل المبكر؟

التدخل المبكر (Early Intervention) هو عملية تقديم الخدمات والدعم للأطفال والرضع ممن هم دون السادسة من العمر والذين يعانون أو معرضون لخطر تأخر في النمو أو إعاقة أو حالة صحية قد تؤثر على النمو والتعلم المثالي. يتضمن التدخل المبكر تقديم جملة من الخدمات الشاملة للأسر وللأطفال بهدف تقليل آثار الإعاقة أو تأخر النمو من خلال تلبية الاحتياجات المحددة للأطفال الصغار عبر خمسة مجالات تنموية تشمل التطور المعرفي، تطور مهارات التواصل، النمو البدني بما في ذلك الرؤية والسمع، التطور الإجتماعي أو العاطفي، والتكيفي.

قد يشمل المستفيدون من خدمات التدخل المبكر الرضع والأطفال الصغار ذوي الإعاقة أو الذين يعانون من إعاقة جسدية أو عقلية تم تشخيصها والتي من المحتمل أن تؤدي إلى تأخر في النمو، بما في ذلك أولئك الذين لديهم حالات خلقية أو تطورية (على سبيل المثال: اضطراب طيف التوحد، والشلل الدماغي، ومتلازمة داون، ومتلازمة الكحول الجنينية، وفقدان السمع) واكتسبت حالات مرضية (على سبيل المثال: إصابات دماغية أو إصابات دماغية أخرى مكتسبة، أمراض أو مضاعفات ما بعد الجراحة، سوء المعاملة أو الإهمال، فقدان السمع).

  • ما أهمية هذه البرامج؟

تنبع أهمية التدخل المبكر من أنه يتم تشخيص الإعاقة مبكراً وبالتالي تقديم الخدمات مبكراً، وهذا يزيد من احتمال أن يطور الأطفال مهارات التواصل واللغة والبلع الفعّالة وتحقيق نتائج تعليمية ناجحة. كما أن أهمية التدخل المبكر تتقاطع مع الوقت الذي يتم به تقديم هذه الخدمات حيث أنه يتم تقديم الخدمات التأهيلية والعلاجية بنفس الوقت الذي يتطور به الطفل جسديا ولغوياً ومعرفياً وعاطفياً وتربوياً. وعليه فإن فرص تحسن الأطفال تكون كبيرة جداً بغض النظر عن شدة الإعاقة. 

ومن أهم ما يميز برامج التدخل المبكر أن هذه البرامج تتمحور حول الأسرة وتركز على تطوير قدرة الأسرة على تعزيز نمو أطفالهم وتعلمهم (IDEA ، 2004). تستجيب الممارسات التي تتمحور حول الأسرة للظروف الخاصة بكل أسرة وتزود الٰأسر بمعلومات كاملة لاتخاذ القرارات السليمة  (DEC ، 2014). وتركز هذه البرامج على توعية الأهل وتطوير مهاراتهم ودرجة كفاءتهم الذاتية في التعامل مع أطفالهم حيث إن الأطفال يعتمدون على الأسر لتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم في السنوات الأولى من عمرهم. وبالتالي يصبح الأهل واثقين من قدراتهم ومهاراتهم في التعامل مع أطفالهم ومساعدتهم بشكل علمي وسليم على التطور والنمو في جميع النواحي (الحركية والمعرفية والإدراكية والتواصلية والعاطفية والأكاديمية والإجتماعية).

كما يجب مراعاة الاحتياجات الفردية لأفراد الأسرة وأنماط التعلم والقيم والمعتقدات والتوقعات (Raver & Childress ، 2015 ؛ Tomasello ، Manning ، & Dulmus ، 2010). وتؤكد الممارسات الاكلينيكة أن الخدمات التي تتضمن فرصاً للأسر ومقدمي الرعاية للمشاركة المباشرة في التدخل ضرورية لتقوية المعرفة والمهارات الحالية ولتعزيز تنمية قدرات جديدة تعزز نتائج الطفل والأسرة (DEC ، 2014).

  • ما مميزات التدخل المبكر؟

1. التشخيص المبكر لجوانب التأخر والقصور عند الأطفال ووضع البرنامج التأهيلي والعلاجي مبكراً جداً.

قد أثبتت الكثير من البحوث العلمية أن درجة التحسن والتطور تعتمد بالمقام الأول على التشخيص المبكر للإعاقة. وللأسف لا زلنا نعاني من مشكلات كبيرة جداً في منطقتنا العربية عموماً بجوانب التشخيص والتقييم. وعليه فإن توفر برامج التدخل المبكر سينعكس على تطوير ومعالجة مشكلات التقييم والتشخيص.

2. تنوع الخبرات في التقييم والتشخيص

تتألف هذه البرامج من فريق متعدد التخصصات يكون مسؤولاً عن تقييم وتشخيص مشكلات الأطفال ووضع الخطة العلاجية لكل طفل على ضوء قدرات واحتياجات الطفل في الجوانب الحركية والمعرفية والتواصلية وغير ذلك. وبالتالي فإن الفروق الفردية بين الأطفال يتم تحديدها والتعامل معها من قبل الفريق ويتم تحديد الأعضاء المطلوبين للتعامل مع الطفل واسرته (أبو زيد، النجدي، 2004؛ الحديدي، 2009). فمثلاً إذا أظهرت نتائج التقييم أن الطفل لا يوجد لديه تأخر حركي وأنه يعاني من تأخر لغوي ولديه إعاقة سمعية ومشاكل سلوكية ومشاكل طبية فإن ذلك لا يتطلب وجود أخصائي العلاج الطبيعي ولكن يتطلب وجود أخصائي النطق واللغة وأخصائي السمعيات وأخصائي تحليل السلوك التطبيقي وطبيب أطفال.

3. تعزيز مشاركة الأطفال في بيئتهم الطبيعية

من خلال تعزيز مشاركة الأطفال في بيئاتهم الطبيعية ضمن الروتين اليومي العائلي يتم استكشاف التجارب والتفاعلات المتوافقة مع عمر الطفل ومهارات الاتصال المعرفي ونقاط القوة والاهتمامات (DEC ، 2014). ويتم توفير خدمات التدخل المبكر في البيئات الطبيعية للأطفال والتي تعتبر نموذجية للرضع في نفس العمر أو الأطفال الصغار غير المعاقين وقد تشمل المنزل أو رعاية الأطفال أو الفصل الدراسي أو المجتمع أو غير ذلك (IDEA ، 2004).

4. شمولية البرنامج

ومما يميز برامج التدخل المبكر أن هذه الخدمات شاملة ومنسقة وقائمة على الفريق متعدد التخصصات وهذا يؤدي إلى تكاملية وشمولية جميع الخدمات التي يحتاجها الطفل بشكل مبكر ومنظم وبالتالي تعزيز نتائج الخدمات المبكرة للأطفال وأسرهم. ويتألف الفريق متعدد التخصصات من الأطباء وأخصائيي النطق واللغة وأخصائيي السمع والمعالجين الفيزيائيين والوظيفيين والمتخصصين في السلوك ومعلمي التربية الخاصة ومعلمات الروضة ومعلمي المدارس والأهل. وعندما يعمل أعضاء الفريق متعدد التخصصات كفريق متكامل فإن ذلك سيؤدي إلى تعزيز التعاون وتسهيل التواصل وتجنب التكرار ومشاركة الملاحظات ومناقشة الاستراتيجيات والتعاون لحل التحديات.

علاوةً على جميع المميزات التي تم ذكرها سابقاً فإن برامج التدخل المبكر لها فوائد اقتصادية كبيرة على المدى الطويل مما يخفف من تكاليف خدمات التربية الخاصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. حيث أن هذه البرامج تساعد ليس فقط في الحد من تأثير الإعاقة والتخفيف من تبعاتها بل تخفف ايضاً من الحاجة إلى خدمات تأهيلية طويلة الأمد مما سيقلل من نسبة الأطفال الذين سيحتاجون إلى برامج التربية الخاصة بمختلف أنواعها. وهذا سيخفف من الأعباء والتكاليف المادية الضخمة للدول والأهالي معاً. 

  • الملخص

يظهر جلياً مما سبق أن أهمية التدخل المبكر عظيمة وأن توفر برامج التدخل المبكر ضرورة ملحة لما لهذه البرامج من فوائد كبيرة للأطفال والأسر وكافة شرائح المجتمع. ولا بد من التأكيد أنه كلما كان التدخل مبكراً تكون النتائج أفضل ونؤكد هنا أن معالجة صعوبات التواصل واللغة مبكراً تمنع المشاكل المحتملة في السلوك والتعلم والقراءة والتفاعل الاجتماعي. وتؤكد الأبحاث الحديثة حول نمو الدماغ بأنه كلما  كان التدخل مبكراً يكون  أفضل عند تعليم الأطفال الصغار. بحلول سن الثالثة، تكون معظم هياكل الدماغ الرئيسية ناضجة، ويصبح من الصعب إجراء تغييرات مهمة في نمو الطفل وتطوره. إن برامج التدخل المبكر تسهم في توفير الموارد والدعم والمعلومات للوالدين لتعزيز مهارات التواصل لدى أطفالهم. كما أن العمل مع مقدم الرعاية المبكرة للآباء يزيد ثقة الأهالي في أنهم يسهلون تطور تواصل أطفالهم على جميع المستويات. 

بناءً على ما سبق نأمل أن يلتفت صانعوا القرار إلى اتخاذ الاجراءات المناسبة من أجل توفير برامج التدخل المبكر بشكل عاجل وضمن الأطر العلمية الصحيحة والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة التي تولي موضوع البرامج المبكرة بالغ الأهمية. 

الدكتور ياسر نعمان الصعبي 

أخصائي أمراض النطق والسمع واللغة

   المراجع

  1. أبو زيد، حسن محمد سالم (2001). مدى فاعلية برنامج مقترح في خفض السلوك العدواني لدى الاطفال ما قبل المدرسة. رسالة دكتوراه غير منشورة. معهد الدراسات والبحوث التربوية. قسم الإرشاد النفسي – جامعة القاهرة. 
  2. أبو زيد، سميرة؛ النجدي، عبده (2004). دور الأسرة في دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، المؤتمر العلمي الثاني لتربية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي. الواقع والمستقبل، مج2، مركز رعاية وتنمية الطفولة، جامعة المنصورة.
  3. الحديدي، منى (2009). مقدمة في الإعاقة البصرية. عمان – الأردن. دار الفكر للطباعة والنشر.
  4. Florida State University. (n.d.). Family guided routines based intervention. Retrieved from http://fgrbi.fsu.edu/index.html
  5. Florida State University. (2011). Embedding in family guided routines based intervention. Retrieved from http://fgrbi.fsu.edu/handouts/approach4/Tip%20SheetEmbedding.pdf
  6. Florida State University. (2012). 8 concepts from adult learning you can use to support caregivers. Retrieved from http://fgrbi.fsu.edu/handouts/approach1/EightConcepts.pdf
  7. Friedman, M., Woods, J., & Salisbury, C. (2012). Caregiver coaching strategies for early intervention providers: Moving toward operational definitions. Infants and Young Children, 25, 62–82.
  8. Guralnick, M. J. (2011). Why early intervention works: A systems perspective. Infants & Young Children, 24, 6–28.
  9. Individuals with Disabilities Education Improvement Act (IDEA). (2004). Retrieved from http://idea.ed.gov/.
  10. Raver, S. A. & Childress, D. C. (2015). Family-centered early intervention: Supporting infants and toddlers in natural environments. Baltimore, MD: Brookes.

Tomasello, N. M., Manning, A. R., & Dulmus, C. N. (2010). Family-centered early intervention for infants and toddlers with disabilities. Journal of Family Social Work, 13, 163–172.